الاعزب الزائف

في الماضي حين كنت يافعا ، اتخذت من الأماني العاطفية دربا متعدد الاتجاهات ، وهذا كان يعزى إلى ضعف قلبي وهشاشة مقاومته إزاء أي أنثى كانت تشاركني الهواء في حيز المصادفات القدرية ، ولأنني سئمت من هزائمي المتتالية في خلط عناصر كيمياء الإعجاب المتبادل مع النساء ، سواء بتقاطع النظرة الأولى أو الثانية وحتى عدد لا محدود من النظرات التي تركن إلى حقيقة أنها أحادية المنشأ من بنات أمنياتي ، قررت إكمال نصف ديني والتخلص من لقب (( الأعزب )) .

اقتنعت تماما أن ذلك سيؤدي بالضرورة إلى جسارة قلبي ، فلا يهرول خلف أي امرأة قد يصادفها في صباح أو مساء ، وهذا حتما سيساعدني في التخلص من أحلامي الليلة مع حبيباتي المفترضات تحت الوسادة الخالية ، وسيساهم في جعل الهدوء النسبي يخيم على أجواء حياتي العاطفية البائسة ، فلا تثيرها عواصف ولا أمطار نساء عشوائيات ، بل يسكنها صيف امرأة تشاركني الخبز والملح .

ولكن الطبع غلب التطبع ، وهذا حدا بي إلى مغازلة صديقة زوجتي في فترة خطوبتنا حين رمقتني بنظرة دمشقية من عيونها الخضراء ، ولم تتوانى نفسي الضعيفة أمام الجمال ، من فرض سطوة مراودتها على عيوني ، لتأتمر بأمرها وتطارد كل أنثى تواجدت في حفل زفافي ، حتى كاد يخيل إلي أنني سأتزوجهن جميعا في تلك الليلة ، وما كان لي حجة أو تبرير حين تلقيت صفعة من زوجتي أمام جميع الحاضرين ، سوى أن قلت لها (( عبد مأمور يا عزيزتي ... أنا أنفذ قرارات عليا وليس بمقدوري مخالفتها )) ، ولكن ماحدث في تلك الليلة كان مدعاة للتفكر حول مدى جديتي وعزمي في التخلي عن لقب (( الأعزب )) .

مضت الشهور الأولى على زواجي بسلام ، وبدأت أجد حصون مقاومة نفسي أمام فتنة النساء تتعالى في البنيان ، وهكذا أهملت دراسة عناصر كيمياء الإعجاب ، ولم أعد مكترثا بتفسير نظريات تجاذبها ، وشعرت بسعادة تغمرني ، وانصرفت إلى الاهتمام بعملي وبناء مستقبل مزهر لعائلتي ، حتى أصابني مجددا داء التمني ، وعادت خيالاتي أدراجها ، لتستقر في أحضان النساء لا ترواح مكانها ، فهطلت أحلامي بأمطار نساء لا تعد ولاتحصى ، وجدتها تتساقط من حولي في كل ليلة آمنة مطمئنة على وجه زوجتي ، فغرقت في سبات الأحلام ولم أخش البلل ، وما ارتديت معطفا ، ولا استعنت بشمسية ، بل وجهت قلبي إلى سحابات قلوبهن ، وقلت لهن امطرن يا حبيباتي دون توقف ، فصحراء الحرمان في عمري تتطلب أعواما لا منتهية كي تروى ، وهكذا أصيبت أرض قلبي بتخمة نساء ، حتى سرت في أعماقي جذور الحنين إلى سنين العزوبية العجاف .

وعدت أسأل نفسي عن سبب ضعفي المفاجىء ونهمي غير المسبوق كلما تواجهت مع النساء ، فما وجدت تفسيرا منطقيا لذلك ، ولهذا عقدت العزم على التظاهر مجددا بعزوبيتي ، لعلي إذا ما استئثرت بمياه الأمطار جميعها لن أظمأ بعدها قط ، وهكذا خلعت خاتم الزواج من يدي ، ومشيت في الأجواء الماطرة ذاتها ، فإذ بالغيوم تتباعد عن أجوائي بصورة مذهلة عصية على الفهم .

وقبل أن أطرح أرضا من فرط العطش والتعب ، تأتي سحابة امرأة وتظل متسمرة في سمائي ، فيشتد هطولها ولكنها لا تروي ظمأ قلبي ، على الرغم من حلاوة مذاقها ، وحينها اكتشفت أنني في حالة ظمأ قصوى لمياه أنثى ليس لها وجود في خارطة الكرة الأرضية .

Followers

Pageviews Last 7 Days