(( البطحه )) وقود الشك


(( اللي على راسو بطحه بحسس عليها )) هذا المثل الشهير الذي يتردد كأغنية عتيقة على لسان العديد من الأشخاص في مجتمعنا ، هو دلالة على أن الاتهامات الموجهة بحق الأشخاص من صفات أو سلوكيات مذمومة إنما هي ناشئة من تأصلها في من يطلقها ، فتجد السارق يتهم الآخرين بالسرقة والكاذب يتهم غيره بالكذب ، وهكذا يكون هذا الداء الإجتماعي أو (( النفسي )) إن جاز التعبير سببا في إلقاء التهم جزافا .

قصتنا في هذا الإدراج عن رجل كانت أجندة حياته الزوجية تعج بالخيانات ، ومع هذا فهو كان شديد الحرص على جمالية علاقته مع زوجته ، ولكن ضعفه أمام إغواء (( حواء )) كان دوما أقوى من كل مبادىء الوفاء التي حاول أن يرغم نفسه ويجلد ذاته عليها ، إنها طبيعة الرجال (( لا يملؤ عيونهم من النهم على النساء إلا التراب )) .

كانت زوجته تشتم رائحة النساء اللواتي عبرن جسده في كل ليله ، بل وفي كل دورة غسيل لملابسه تغض الطرف عما التصق فيها من أحمر الشفاه ، ولا تعير أدنى اهتمام لصوت الرسائل النصية المنبعثة من هاتفه طوال فترة تواجده في المنزل ، فتتجاهل كل تلك القرائن الواضحة المعالم على خيانته ، وتواسي نفسها قائلة : (( الله يهديه )) .

و بعد مضي ثلاث سنوات ، طالت جيوب ذلك الرجل أزمة مالية ، مما اضطره للتوقف الإجباري عن خياناته اليومية لزوجته وانحسارها في (( البحلقة )) بأقدام النساء ، فهو يعاني منذ مراهقته بذلك المرض الخطير ، عندما كان يسترق النظر إلى جارته وهي (( تشطف )) ساحة دارها ، فلا يغويه النظر إلا لأقدامها التي تتجلى فيها السادية كلما كان الطلاء الأسود يرتدي أصابعها برفقة ((خلخال )) رقيق يحيط بقدمها اليسرى .

وإن ذلك العشق المتفشي بداخله لأقدام النساء يجعله يتمنى لو تكون السنة كلها صيفا شديد الحرارة حتى يشبع رغباته التي لا تعرف الشبع (( بالبحلقة )) في أقدام أي أنثى يصادفها في الشارع وبخاصة إذا كان الطلاء والخلخال من سماتها .

زوجته كانت على معرفة تامة بمرضه ذلك منذ بداية زواجهما وكم حاولت جاهدة أن تحصر ذلك المرض بأقدامها فلا يلتفت إلى أقدام أي امرأة أخرى ، ولكنها عبثا كانت تحاول ، فسطوة (( الزنوبه )) التي تزدحم بها الشوارع بالصيف كانت تقضي على إدمانه المؤقت لأقدامها في فصل الشتاء .

كم كانت تتألم في الصيف كلما خرجت معه في نزهة ما وهي تشاهد عيونه التي ترتطم أرضا كلما صادف امرأة متعرية الأقدام ، فتلعن مخترع (( الزنوبة والشحاطة والقبقاب )) .

بداية العهد الجديد من معاناة تلك الزوجة بدأ عندما أعلن ذلك الرجل التزامه الإجباري لها بالوفاء ، ولكن حظ زوجته العاثر كان في تزامن قراره باعتزال مهنة الخيانة في فصل الصيف ، فنشبت المعارك الطاحنة بينهما كلما أرادت الزوجة الخروج من المنزل مرتدية (( زنوبة أو شحاطة أو قبقاب )) ، لدرجة أنه أقسم عليها يمين الطلاق عدة مرات إذا لم تلتزم بأوامره وترتدي ما يستر أقدامها .

الأمر لم يتوقف عند هذا الحد ، فلقد أصبح يراقب كل تحركاتها وأقوالها وأفعالها على مدار الدقيقه ، فإذا قرع جرس هاتفها برسالة نصية فلا بد أن يطلع هو عليها في البداية ، وإذا كانت مكالمة صوتية فيتوجب عليها في منتصف المكالمة أن تطمئنه بأن الصوت المنبعث من الهاتف هو صوت أنثوي لإحدى قريباتها أو صديقاتها .

حمى مرض (( البطحه )) لدى ذلك الرجل ارتفعت كثيرا ، فلم يعد يسمح بخروجها من المنزل لوحدها مطلقا ، واستأجر بعض العيون لمراقبة تحركاتها طوال فترة تواجده في العمل ، وهي لا تزال صابرة ومحتسبة على أمل شفائه من تلك الحمى اللعينة .

وبعد مرور سنة على ذلك الجحيم ، قرر أن يعتقها من ذلك السجن ويمنحها فرصة للحرية من جديد ، فوافق على ذهابها إلى السوق بمفردها ، وفي أثناء عودتها قررت أن تركب في سيارة أجره لتصل إلى المنزل بسرعة قبل أن تبدأ أعراض حمى مرض (( البطحه )) بالظهور مجددا على زوجها ، ولكن الحظ العاثر كان يلازمها ، ففي منتصف الطريق استأذن منها السائق لتسمح له بأن يقل رجلا كانت وجهته تشترك مع وجهتها ، فلم تمانع المرأه ، وعند وصولها بالقرب من منزلها ، طلبت من السائق أن يتوقف قبل منزلها بشارع ، لأن هواجس الخوف بدأت تطاردها بمجرد موافقتها على ركوب ذلك الرجل ، فلو شاهدها زوجها فسيصاب وبكل تأكيد بحمى مرض (( البطحة )) من جديد ، وفعلا أصبحت تلك الهواجس حقيقة ، فلقد تصادف وجود زوجها في ذلك الشارع لشراء (( السجائر )) ، وما أن تقاطعت عيونهما في تلك اللحظة المشؤومة حتى هرول مسرعا إلى (( الدكان )) ليأخذ سكينا ، ودون أن يمنحها أية فرصة للكلام أو الدفاع عن نفسها بدأ يطعنها وهو يصرخ كالثور الهائج مع كل طعنة : (( خائنه .... خائنه .... خائنه )) .

Followers

Pageviews Last 7 Days