ضعف الثقة بالنفس هو السبب

من المتعارف عليه إقتصاديا أن كميات الطلب على سلعة أو خدمة ما مقارنة مع الكميات المعروضة أو المتاحة منها تعتبر العامل الأساسي الأول في تحديد أسعار تلك السلع والخدمات ، فكلما ارتفعت أحجام الكميات المطلوبة ارتفعت الأسعار والعكس صحيح ، وكلما فاضت الأسواق ببضائع ليس عليها إقبال يتناسب مع الكميات المعروضة منها فهذا سيؤدي حتما إلى إنخفاض أسعارها .

ومن هنا كان التركيز على علم التسويق كأداة تساهم في سرعة الإستجابة والإقبال على شراء مختلف السلع والخدمات من خلال استخدام وسائل محاكاة تعتمد على تحليل دقيق للغرائز والاحتياجات والميول والاتجاهات البشرية في مختلف البيئات الجغرافية والتركيز الدقيق على تحليل الأبعاد النفسية لشخصيات المستهلكين المحتملين عند أول مواجهة مباشرة مع تلك السلعة أو الخدمة .

وبالطبع فإن العنصر الأهم في العملية التسويقية للمنتوجات هو ما يسمى ( بالترويج ) والذي يعتبر ( الإعلان ) من أهم أدواته ، والترويج يتكون من جانبين أساسيين هما : التعريف بالسلعة ومن ثم الإقناع بشرائها ، وهنا تحدث عملية الإتصال المباشر أو المحاكاة مع المستهلكين المحتملين .

في الواقع ما أردت قوله من هذه المقدمة أننا كمجتمعات عربية بدأنا نستخدم أسلوب الترويج لإظهار تفوقنا على الآخرين ولكن بطريقة سلبية وبكل أسف وذلك من خلال الإعتماد الكلي على مظاهر البذخ والترف فقط ، وهذا يذكرني بالعديد من السلع التي كان يغريني شراؤها لمجرد جمال وأناقة عبوتها أو طريقة تغليفها ولكن عند أول استعمال لها كنت أشعر بالخيبة من رداءة جودتها التي لم تتناسب أبدا مع تلك التوقعات التي تشكلت عندي في لحظة مشاهدتها الأولى .

القضية هنا ليس لها علاقة فقط بالشكل والمظهر الخارجي للمرأة أو الرجل وحسب ، بل الأمر يتعدى ذلك إلى العديد من السلوكيات التي يتبعها البعض معتقدين أنها تؤكد تفوقهم وتميزهم عن الآخرين .

و مما لاشك فيه أن مظاهر الاستعراض أو الترويج قد طالت الحياة الالكترونية أيضا وبخاصة في مواقع التواصل الإجتماعي وعلى رأسها (( الفيس بوك )) وهذا إنما يؤكد على أن القضية لم تعد تهدف إلا لإشباع الرغبة في استحواذ اهتمام أكبر قدر ممكن من الأشخاص بغية التأكيد على التميز والتفوق وليس لهدف التواصل والتعارف وتبادل الخبرات الحياتية المختلفة بين الناس في مختلف البقاع والأماكن .

أما إذا أردنا الحديث عن مظاهر الاستعراض والترويج في مجال العلوم والثقافة والمعارف ، فالأمر كذلك لم يعد يختلف كثيرا ، فبدلا من الاستفادة من تلك العلوم والمعارف وتطبيقها فيما ينفع الناس ، أصبحت تستخدم كأداة ترويجية جديدة لأشخاص كانوا كبضائع كاسدة في سوق البذخ والترف ، فوجدوا أن هذه الطريقة ستساهم في تحقيق تطلعاتهم في التكبر والغرور والتعالي على الآخرين ، وصدقا لو أردنا إجراء مقارنة بسيطة مع الولايات المتحدة الأمريكية فسنجد العديد من الأمثلة التي تحول فيها أساتذة إلى طلاب من جديد وعند أشخاص كانوا تلاميذ لهم في وقت مضى ، أما في مجتمعاتنا فإنني أراهن على وجود مثال واحد لمثل هذه الحالات التي يكاد حصولها ضربا من الخيال .

مشكلتنا الأساسية في مجتمعاتنا أننا نعاني من فوضى في تسليم أدوار الحياة لمن يستحقها ويرعاها حق رعايتها ، وهذا إنما هو نابع من عدم قدرتنا على توجيه قدراتنا في الإتجاه الصحيح أو أن هنالك عوامل خارجية في بعض الأحيان تؤثر على قدرتنا في المضي بما نحن أهل له ، وهذا ما كان يؤدي إلى شعور العديد من الأشخاص بعدم الثقة بأنفسهم وقدراتهم ومواهبهم ، ولكي يتم تعويض الشعور بذلك النقص كانت المبالغة في اللجوء إلى جمال العبوة من الخارج فقط على حساب الجودة والنوعية .

إذن هل من الممكن حقا أن نعمم بالقول أن السبب الجوهري وراء العديد من تلك السلوكيات نابع من عدم ثقة المرء بنفسه ؟

Followers

Pageviews Last 7 Days