لك أنت


كم هو غريب ما يحدث معي في هذه الأيام ، فكلما عزمت على الكتابة ، أجد أناملي ترتجف وكأنها في لقائها الأول مع القلم ، فهل الخوف يسكنني ؟ أم هي فرحة أخشى على قلبي من خسارتها كما اعتاد في منتصف الطريق ؟ لنعود أنا وإياه من حيث مشينا بالأمس ، لا نملك سوى الخيبة والحسرة ، على ضياع أحلام أودعت دوما في القلب الخاطىء .

قصتي مع النساء معقدة جدا وليس من سبيل أمامي للكتابة عن خلاصتها ، ولكن لست أدري لماذا وأنا أسير اليوم تحت رذاذ الأمطار وحيدا إلا من مظلتي السوداء الحزينة ، وجدت الذكريات و قد تلاعبت برأسي كحجارة النرد حين تهوي على رقعة طاولة اللعب ، والعيون تراقبها وهي تتدحرج في غياهب الأرقام ، وحينها يظل الفكر شاردا بما ستؤول إليه احتمالات وجوه مكعباتها حين تستقر وتتوقف عن الدوران ، فإما سيكون الفوز وصيحة الانتصار وإما الوجوم والشتيمة للحظ العاثر المؤدي للانهزام .

أنا شخص تعب من التفكير والتحليل والتفسير لكل علاقة عاطفية فاشلة كنت قد خضتها في ميادين الحب ، وربما هذا ما جعلني شخصا غريب الأطوار ، تتداخل فيه كل المتناقضات التي عرفتها البشرية ، ففقدت التوازن والانسجام مع محيط الناس من حولي ، ولم أعد مكترثا لمواضيعهم واهتماماتهم وأفكارهم ومعتقداتهم وفلسفتهم في هذه الحياة ، وليس هذا انتقاصا من قدرهم بل على العكس ، فهو اعتراف بأنني فشلت في إيجاد من يحتويني بعالم لا أتمنى في يوم مغادرته قط .

كانت وجوه النساء تتكشف لي تماما كما هي حال حجارة النرد بعد سكونها ، وخسارة تلو خسارة تتعاقب على قلبي، كما يحدث لفريق العاصمة الإسبانية لكرة القدم كلما كان في مواجهة مباشرة مع فريق الكتلونيين في هذه الأيام ، فتلك امرأة هجرتني للزواج من رجل يعمل في بلد نفطية ، وأخرى دعتني للزواج وأنا لا أزال على مقاعد الدراسة ورفضت أية مبررات للانتظار حتى يتغير لقبي من معال إلى عائل ، وهناك من ادعت أن وجودي في حياتها يشبه السوار الضيق حين يلتف بقسوة حول المعصم وأنها تريد خلعه مهما كان الثمن .

و توالت الحكايات مع نساء في حالة فراغ عاطفي ، لم يتعد وجودي في حياتهن سوى تزجية أوقات انتظارهن لفرسان أحلامهن الواقعية ، وحتى عندما ألمت بي عقدة (( أوديب )) وبحثت عن الحب مع نساء من أجيال قد سبقتني بعقود ، وجدت قلبي ملزما بعطاء ليس له من حدود ، وكأنني والدهن الذي أعادهن لسنوات مراهقتهن البائدة ، مما استدعى قراءتي لكتب (( فرويد )) مجددا كي أتعمق في معرفة تتمة نظريته عن عقدة (( الكترا )) .

وشاءت الأقدار أن ألتقي بنساء قد تلبدت في سماء حياتهن غيوم حزن عابر ، فانحصر دوري حينها في مواساتهن والوقوف إلى جانبهن في لحظاتهن النفسية العصيبة التي أمطرت أيامهن بالدموع ، وحينما تبددت الغيوم وأشرقت شمس السعادة وتحققت أمنياتهن ، رحلن بعيدا عني كي لا أكون فتيل اللهب الذي قد يشعل ذكريات تلك الأيام السوداء .

الآن و للمرة الأولى في حياتي أجد أنني قد كشفت كل أوراقي أمام امرأة ونحن لا نزال نسير في بداية الطريق ، ربما لأنني أتمنى أن تكوني أنت القصة الحقيقية الوحيدة في حياتي ، ولهذا أكتب اليوم لك أنت ، وأمد يدي لك أنت ، وأبتسم لك أنت ، وينبض قلبي لك أنت ، فهل تقبلين أن تمضي معي كي نكتب سطور خاتمة هذه الحكاية ؟ فالحب ليس للحبيب الأول بل هو للحبيب الأخير .

Followers

Pageviews Last 7 Days