أنا وحبيبتي والمطر

كم من شتاء كان قد مضى وأنا أنتظر هذا اللقاء ، وكم مشيت تحت رذاذ الأمطار وحيدا بين أزقة الطرقات ، لعلي ألمح طيفك بتواطىء بين القدر والصدفة ، وأنت تقفين خلف النافذة تتأملين حبات المطر ، وهي تداعب كفيك دون أن تصافحهما تماما ، أتراك كنت تتوقعين حضوري ؟ أم هي لهفة الأمل بلقاء يحدثك به القلب دوما كلما أمطرت السماء ؟

أتذكرين لقاءنا الأول ؟

كان أيضا في الشتاء ، عندما كنت أجلس خلفك في الحافلة ، وأثير المذياع يهمس بالأغنية التي رافقت قصتنا على الدوام ، ولقد كنا نكتفي حينها بالإنصات والشرود ، فلا تتجرأ قلوبنا على الكلام ، وعندما كان ضجر الانتظار من المجهول يسكننا ، نزيح ستائر النوافذ ، فيفتضح صوت القيصر أمرنا : (( أخاف أن تمطر الدنيا ولست معي )) .

وتجدد لقاؤنا في مقهى لم نذهب إليه من قبل ، وكنت أراقب الحزن في عينيك وأنت تحركين الملعقة في قدح الشاي ، وكم تمنيت حينها لو أشحت برأسك ، كي تلمحين عيونا قد ذابت في قدحك قبل قطع السكر ، ولكنك تابعت الكتابة في كراستك عن عشق لم يأتي بعد ، وهربت من أمامي مجددا (( كاليمامة بين العين والبصر )) .

والتقينا بالسوق في يوم كذبت فيه شمس الشتاء كعادتها ، فأسرعت خطواتك في المسير ، وأنا من خلفك لا أدرك كم يلزمني من خطوات كي تجدينني من أمامك ، فركبت سيارتك واندفعت عجلاتها فوق الاسفلت المبتل ، والذي ظل يرافقني في ثنايا فراغك مع الأمطار وهي (( تجلدني على ذراعي ... على وجهي ... على ظهري ... فمن يدافع عني ؟ )) .

وشاءت الظروف بعد عواصف من اليأس أن أذهب إلى موقع عملك ، وأضغط على زر الانتظار في لعبة أرقام عشوائية ، ولكن صوت النداء الآلي ألقى برقم تذكرتي بعيدا إلى مكتب امرأة أخرى ، كانت نافذتها مفتوحة لريح تعوي ، وأنا لا أجدك كي تهمسين في أذني (( تمسك ... ها هنا شعري )) .

وفي ذات شتاء لجأت إلى مظلة بائع الكتب ، وبحثت بين رفوف منشوراته عن نبوءات العرافين الذين كذبوا في وعودهم عن حب قد يأتي في بداية الألفية العشقية ، وعندما هممت بتصفح ما توقعه المنجمون للقائنا الذي لايحدث إلا في المطر ، وجدتك تقفين إلى جانبي ، تتصفحين فهرس قصائد نزار ، وقد لامست سبابتك (( قارئة الفنجان )) ، فنظرت إلى السماء وكان قد اشتد فيها الهطول ، ثم التفت مضطربا كي أبحث عنك ، فلم أجدك في أي مكان ، فأخذت نسخة أخرى من ديوان نزار ورحت أردد بخيبة وانهزام (( فمنذ رحت وعندي عقدة المطر )) .

واليوم أجلس أمام نافذة وحدتي ، والأمطار لا يتوقف هطولها كلما اشتاقت الأوراق للكتابة عنك ، وأنت لا تزالين في غفلة عن عشقي ، تنامين على وسادة من حرير أنوثتك ، فهل سنلتقي مجددا في الشتاء ؟ أم يتوجب أن (( أمحوك من أوراق ذاكرتي )) مع أنك (( في القلب مثل النقش في الحجر )) .

Followers

Pageviews Last 7 Days