متى ترجح كفتي في ميزان إعجابك ؟

كنت دوما أراهن على الفرس الخاسر ، وأبني قصورا من الرمال لا يلزمها أكثر من موج هادر ، لتزول وتتلاشى أحلام طارئة قد أشرعت نوافذها لفرح عابر ، فلم يسبق أن بددت غيوم قلب حائر ، وأفلحت في استدراجه لأرض قلبي بعد بلوغي العاطفي أو حين كنت قاصر ، وهذا كان يستدعي اللجوء لمسببات حظي العاثر ، والوقوف عند تحليلها مطولا ، لعلي أستكشف حرز المفاتيح لأبواب النساء الموصدة أمامي ، وانفراج مزلاجها دون عناء لرجال تقف بمحاذاتي ، وكم حاولت أدراك السبيل الذي يقودني لدهاليز الإعجاب الخفية ، ولكن الأقدار أصرت على بقائي في صومعة التمني ومهدت لغيري كل دروب النساء التي كانت تلتف من حولي .

في البدء كان صديقي الأشقر يخطف من أمامي قلب كل انثى لا يستهويها الشاب الأسمر ، فقررت أن أتنكر في ملامحه و أستبدل لون شعري الأسود وأضع مساحيقا على وجهي كي تبدد عتمته ، ولقد استدعى المظهر الجديد أن أسدل خصلات شعري من خلال جلسات حمام الزيت ومواد التمليس في العصر الذي سبق ثورة (( الواكس )) ، وكان لا بد أيضا من وضع نظارات شمسية تكون عدساتها زيتية ومحفور عليها بالطبع ماركة شهيرة تدعى (( ريبان )) ، وارتداء حذاء رعاة البقر ذو المقدمة الرفيعة كالأبرة والذي ذاع صيته بمسمى حذاء (( تكساس )) ، ومع كل تلك التغييرات الجوهرية ، إلا أنني كنت دوما أرتطم بجدران قلوب حواء والتي كانت تبدو أمامي أقسى من الفولاذ أو الحديد المسلح .

وفي المرحلة الجامعية وجدت الإناث يلتفون حول الشاب ذو النظارات المقعرة والذي كان لا يغادر المكتبة في أوقات فراغه و لا تخلو يديه من مجموعة الكتب والمراجع التي ترافقه أينما حل ووطئت أقدامه ، فحلقت شعري وارتديت قميصا وأغلقت ياقته ، وأقسمت على طبيب العيون أن يؤكد ضعف نظري وحاجتي لنظارة بعظم أسود ، كتلك التي يرتديها كبار السن منذ منتصف القرن الماضي ، وذهبت إلى المكتبة وتعاركت مع أمينها بعد إصراري على استعارة كتب تفوق الحد المسموح به للاستعارة ، ومشيت بين ممرات الكليات بخطوات خجولة وعيوني لا تبصر إلا الأرض ، ودخلت محاضرات وخرجت من امتحانات ولم تطرق أي فتاة بابي ولو حتى على سبيل الخطأ أو الصدفة .

وحين دخلت سوق العمل من بوابته الضيقة ، وانقضت فترة البطالة التي امتدت لحسن حظي لسبعة شهور فقط ، كنت قد قضيتها في عزلة بالمنزل في أرشفة الصحف وأنا انقبها يوميا للبحث عن وظيفة تتلاءم مع الشهادة التي عانيت أربعة سنوات للحصول عليها ، فوجدت نفسي في مؤسسة مالية ضخمة ، وكيفما وليت وجهي فثمة نساء عن يميني وعن شمالي ، من أمامي ، ومن ورائي ، وفي كل بقعة يمتد إليها بصري بنظرة بريئة أو عن سبق إصرار وترصد ، ولكن الحكاية ما انفكت تكرارا لفصولها التي سئمت قراءتها ، فأنا كنت انطوائيا وافتقد لمهارات الاتصال الاجتماعية ، والتي كان يبرع بها زملائي الرجال ، من أحاديث المطبخ وتربية الأولاد مع المتزوجة ، وأحاديث الموضة والأزياء وقراءة الأبراج وحظوظها مع العزباء ، والتملق للمديرات العوانس ، والاستشارات المجانية للمخطوبة عن محلات بيع الاثاث والأجهزة الكهربائية ومحلات المجوهرات وصالات الأفراح ومايلزم من تجهيزات ليوم الزفاف ، مما جعلني أبدو كالأبله امامهن عند سؤالي عن كل ما اعتقدت أنه لا يلزمني معرفته لكي اتجاذب معهن أول أطراف الحديث المؤدي للإعجاب .

وعندما جاء اليوم الموعود ، ووصلت بعد معاناة لحدود الباءة الدنيا والتي قد تؤهلني للزواج ، طرقت كل الأبواب ، وتم طردي في كل محاولة من النوافذ لضرورات السرعة في التخلص من زيارتي المشؤومة لبيوت عروساتي المحتملات ، فأنا لم أكن أملك بيتا وراتبي لا يتكون من أربع خانات ، وهاتفي ليس فيه شعار التفاحة ، ووالدي تاجر مفلس ، وبورصة الذهب أقسمت أن لا تهبط مؤشراتها عن أرقام فلكية ، وليس بمقدوري إقامة حفل زفاف في فندق مدموغ بنجوم خمسة ، وسيارتي لم تولد في الألفية الثانية ، فكيف إذن يا حواء من الممكن أن ترجح كفتي في ميزان إعجابك ؟

Followers

Pageviews Last 7 Days