ثورة الاشتياق

أتعتقدين يا حبيبتي أن جفاءك سيثني ثورة الاشتياق أو يخمدها ؟

إذن فهذه رسالة أشواقي الثائرة على ذلك التهديد والوعيد ، والذي أقسمت جهد أيمانك أن تستأصلي به كل لوعة وحنين تسري بين ثنايا روحي ، وتمضي منه قدما بجبروت أنوثتك الطاغية في الحسن ، شهقة ... شهقة ، و نبضة ... نبضة ، وتنهيدة ... تنهيدة .

في كل يوم يحترق قلبي بألف ألف شعلة شوق ، وأنت هناك في برج عاجي ، تتربعين على عرش نساء الأرض ، وتراقبين منه ثورة أشواقي المتداعية في فرض حصارها ، تارة تبتسمين ، وتارة تؤكدين أن ملكة الملكات ، وتارة تختبئين وراء جدر من حمى الصمت ، وتارة ترسلين لي مرتزقة من أشباه النساء ، لعلي أنهزم أمامهن وأعلن استسلامي وخضوعي عن قراري في محاكمة قلبك لدى محكمة عشقي الأبدية ، والتي قررت سلفا أنها ستحبك في كل يوم أكثر .

ياسمينة بلاد الشام هلمي ، إنني لا أخشى على نفسي أن أتعطر بعبق جسدك ، كدليل دامغ على ولائي المطلق وانتمائي إليك ، وعندها فليرسلوني وراء غياهب الشمس ، وليغرسوا خناجرهم في قلبي ، فإما قلبك أو الموت دونه .

أواه كم اشتقت لتنهيدتك المحمومة يا حبيبتي ، لازالت تسري بين شراييني وأوردتي ، لم أكن أدري حينها كيف أثور لأخلع الأغلال والقيود التي لطالما رضيت بهوانها خوفا من عاقبة المصير ، بل إنني غفلت عن تعلم دروس الثورة في ميدان الفسطاط وبين أزقة سيدي بوزيد ، رضيت بحياة تبعدك عني ، وسرت في دمائي أوبئة نمطية خانعة ، تكتسي بأقنعة زائفة بليدة ، فأصبحت حيا بلا حياة ، وميتا دون نعش ، أنام وأستيقظ في يوم ، لا يختلف فيه إلا تعداد أرقام متتابعة في ذاكرة الزمن .

أتراه قد كتب علينا أن لا نلتقي ؟

أم أننا كنا دوما قريبين في المكان ذاته ، ولكن أقدارنا كانت مستعصية بحواجز الآخرين ؟

إسألي جبل قاسيون ، وأسألي بحر بيروت ، كم بحثت عنك ، وكم ذرفت دموعا ما انفكت عن مناجاتك ليل نهار ، ولكنني كنت أجوب في فلوات الفراغ وحيدا ، وأنادي عليك بحروف اللغة التي استثنت اسمك تواطؤا مع النصيب والأرزاق والآجال ، لترحلي إلى أقصى الكرة الأرضية قبيل اللقاء ، بعد أن كان يفصل بيننا مسيرة ساعات ، فكيف هو الوصول إليك الآن ؟

يا ليت كلماتي تحملني وتطير بي إلى ميناء ذراعيك ، فتمسدي جبيني بأصابعك الثلجية ، وتضميني بشوق محموم ، كطفل عابث أدرك أن الحياة بنعيمها ، لا تضاهي نشوة الفرح بحنان صدر الأم ، فهل من الممكن أن تترك الأم ولدها وهو يتوسلها بالمجيء ؟

لست مقتنعا بكلامك يا مروان خوري عندما تغنيت حزينا بقصر الشوق الذي ذاب العمر ببناءه على سفوح من الرمال ، لأن الحلم سيكتمل ويكبر ، ولن يجدي بعد اليوم الانتظار والترقب والصمت ، بل المضي إلى الأمام في ثورة الاشتياق ، لأن القلب ... يريد ... لقاء الحبيب .

Followers

Pageviews Last 7 Days