أميرة من بلاد القوقاز


كي أكتب عنك ، فذلك يستدعي أن استحضر طقوسا استثنائية ، فلقد كانت الليلة الأولى من نوفمبر ، ذاك التاريخ المرتبط على وجه الدقة بذكريات (( أحلام المستغانمي )) كاتبتك المفضلة ، والمرتبط بذكرى تدوينتك التي لن أنساها ما حييت قط ، فلقد كانت أول تدوينة بحق قلمي الذي لطالما عاش في الظل وحيدا ، لا يجد نور حروف تشرق على كراسات أوراقه بكلمة مديح أو ثناء .

ولذلك دعيني أخاطبك اليوم على طريقة (( ابن طوبال )) ، فأشعل الذاكرة بخيباتي الكتابية من قبلك ، والتي بدأت تحديدا وأنا في الخامسة عشر من عمري ، حين وبخني أستاذ اللغة العربية أمام الطلاب على سرقتي لموضوع تعبير من مقالة في مجلة لا يعلم مصدرها ، ولم يسبق له قراءتها ، فأقسمت له ببراءة قلمي من اتهامه ، ولكنه أصر على منحي درجة متدنية ، وأذعنت يائسا لعقوبة أول جريمة كتابية اقترفتها ، بعدما كنت أظن أنني أرسم لوحتي الأدبية الأولى .

وبعد عام واحد فقط ، لجأت إلى الأوراق البيضاء تارة أخرى ، لعلها تقنع حبيبتي الأولى بالعدول عن قرارها في الهجران ، فكتبت أول رسالة حب ، وترجمت بحرص شديد ، لغة القلب والروح بعد رحيلها ، ودموعا ما جفت في مآقيها ، وأياما ترفض حياة لا تحتويها ، وعهدا لن تنحل عقدته مهما طال غيابها ، فكان ردها على رسالتي مؤثرا حقا ، إذ ضج بيتها بزغاريد خطبتها على رجل يعمل في بلد نفطية ، وحينها لعنت قلمي الذي كلما لامس الورق ، أثخن حياتي بالحزن واليأس والخيبة .

وبعد ثلاثة أعوام ، انقطعت الأخبار بيني وبين صديق هاجر البلاد ، وكنت مشتاقا له أشد الاشتياق ، وما كنا نعلم حينها مكان القرية التي سيلتقي فيها العالم وهم جالسون في بيوتهم ، فكان لامناص من الكتابة مجددا على الورق ، ورجوت القلم أن يساعدني في استفزاز مشاعر الحنين لدى صديقي حال تسلمه لبرقيتي المسجلة بعنوان بارز يدعى الإشتياق ، ولكن جمال القارة العجوز كان كفيلا بإلقاء رسالتي في أقرب سلة مهملات ، ليتجدد موعد الخيبات الذي بات مرتبطا بالكتابة .

ومضى عقد من الزمان ، والخيبات تطاردني في كل ميدان ، ولكن عشقي المجنون للكتابة ظل ملتهبا لا تخمده ثلوج اليأس والحرمان ، فأعدت ترتيب الأفكار والتساؤلات التي شغلت حياتي لثلاثة عقود من الزمان ، وبدأت أكتب تدوينة تلو الأخرى ، حتى أتيت في الأول من نوفمبر ، مخالفة كل قوانين الإحباط التي لازمتني في مشواري الكتابي ، لتكتبي بقلمك الرائع توصية تزكين فيها قلمي ، ومن فرط سعادتي وأنا أقرأ حروفك في ذلك اليوم ، لم ألتفت إلى أستاذ اللغة العربية الذي لا يفتأ ذكرا لقصتي في كل مجلس مع زملائه المتقاعدين وهم يلعبون النرد في المقهى ، وإلى حبيبتي الأولى وهي تتحسر في حديثها مع جاراتها عن أمنياتها بكلام عذب تسمعه من زوجها ويكون شبيها لرسالة قرأتها في أيام مراهقتها ، و صديقي الذي أضافني على قائمته في الفيس بوك وهو يفرط في ارسال حنينه لأيامنا الماضية ، فذلك كله لا يضاهي فخري واعتزازي بشهادتك التي جعلت موعدا استثنائيا للفرح يتزامن مع لحظة كتابية لقلم أجهدته الخيبات .

هذه التدوينة مهداة إلى الأميرة القوقازية (( هدايه )) صاحبة مدونة (( orangee ))

Followers

Pageviews Last 7 Days