كل عام وأنت عيدي



عندما يتأهب العيد للحضور في موعده المتغير من كل عام ، لا يكون ذلك بالضرورة مدعاة لاضطراب طقوس الناس في استقباله ، فالأسواق ستعج بالنساء والأطفال ، والطرقات ستزدحم بالمركبات ، ومحلات الحلويات والقهوة العربية ستمتلىء عن بكرة أبيها ، والصحف ستختزل مساحات شاسعة من عناوينها السياسية الرتيبة ، لتستوعب صفحاتها الترويج لعروض الرحلات السياحية واعلانات أسعار الأضاحي المنافسة في هذا العام بشكل غير مسبوق وبرامجها التقسيطية المريحة .

والجميع يتحفز للمناسبة السعيدة ويلقي وراء ظهره عبء التفكير الذي يلازمه على مدار العام ، فلا وقت الآن للتذمر من غلاء المعيشة وجنون الأسعار ، ولابأس في إرجاء الاستياء من تدهور الحال العام ، فالدنيا عيد وهذا مسوغ كاف لفرح طارىء ، يتم اختطافه عنوة من بين أضراس الشهور والأيام .

لا شك أن رتابة الأيام ستتعطل حركة سيرها في درب العيد ، وهذا سيجعل الفرصة مواتية لاغتنام لحظات من العمر المهدور ، لتحقيق مآرب استثنائية لا تتكرر ، فالزوج سيتمكن من التبسم في وجه زوجته وهما يحتسيان معا فنجان القهوة في الصباح ، والأولاد سيفرحون برؤية أبيهم في يوم غير يوم الجمعة ، والجيران سيقبلون بعضهم البعض ، والأرحام لن تشكو من القطيعة ، والناس لن تتعارك كعادتها في الطرقات ، فالكل خدر بالتسامح والمحبة وليس مشحونا بالتوتر والعصبية والمزاج السيء الملاصق لهم على مدار العام .

وأعتقد أن الحلاقين في هذه الأيام ستزول عنهم أعراض الاستياء من جفاء زبائنهم المتتابع لهم في الآونة الأخيرة ، وخصوصا مع تغير الجدول الزمني لمواعيد الحلاقة التي كانت في أحسن حالاتها لا تتجاوز الثلاثين يوما ، لتصبح حاليا من شهرين إلى ثلاثة شهور ، حتى بات الحلاقون لا يميزون ملامح زبائنهم كلما حضروا إليهم بعد طول غياب ، وكأنهم كانوا يرقدون في رقيم أهل الكهف ، وهذا إنما يؤكد على مصداقية المثل القائل (( الناس ما معها تحلق )) .

الدنيا عيد ، وأنا ألاحظ أنني احتفي بقدومه في هذا العام بنشوة استثنائية ، وليس ذلك بسبب فتاة بغدادية أطالت التحديق بي في أثناء مروري العابر من أمام طاولتها في أحد المولات التجارية ، وليس ثمة ارتباط لهذا بقدرتي على تلبية نداء أشواقي المتداعية لدمشق ، والتي ما وطأتها منذ عيد الأضحى في العام الماضي ، ولا اعتقد أنه بإمكاني تعليل ذلك بملاءتي المالية التي تجعلني لا أتردد في الاتصال بأرقام الهواتف المدرجة في متن عروض الرحلات السياحية ، فأغمض عيني وأفتحها لأجد نفسي في رحلة روح علاجية .

أستطيع اليوم أن أجتهد في الإجابة وأسترسل في وصف حالي بعد لقائك ، ففرحتي لن يفسرها إلا أنت ،
ولذلك دعيني أخالف كل الأجواء المتعارف عليها ، وأهرب من أزقة الأسواق وأزمات المرور ، كي اختبىء بين ذراعيك وأقول لك بعفوية الأطفال (( كل عام وأنت عيدي )) .

أتمنى للجميع عيدا مباركا ... ويتجدد لقاؤنا بمشيئة الله تعالى يوم الجمعة الموافق 18/11/2011

Followers

Pageviews Last 7 Days