الأمانة


كان حلما وربما قد تحقق ، وهذا هو حال كل رجل ذي حظ عاثر ، لا يتمكن من توثيق ما يتمناه من أحلام في دفاتر الواقع ، فلماذا تحقق ذلك الكابوس الذي زف له خبر ارتباطها بغيره ؟

هل خان الأمانة ونكث بالعهد ؟

أم أن قلبها ارتضى بعاشق أمين يحفظها ويصونها بعيدا عن خزائن قلبه ؟

ولكن ألا كانت ترغب بترصيد حساباتها العاطفية ومراجعة فواتير ذكرياتها قبل أن تعقد العزم على الرحيل ؟

أم أنه الصفح عند المقدرة و (( المسامح كريم )) ؟

ما كان بيده سوى الإذعان لرغبتها ، ولكنه قرر أن يقدم لها تقريره العشقي الذي قد يكون الأخير ، فكتب لها قائلا :

في هذه الليلة كانت زخة المطر الأولى ، فجلست أمام النافذة وتأملت القمر المختبىء خلف ستارات الغيوم ، واستجديته أن يبعث لك بهذه الكلمات ، والتي ما تجرأت بالبوح بها مذ يوم رحيلك ، ليس غرورا ولا زهوا ولا كبرياء ، و إنما هي بقايا من أمل كنت أعتقد أنها قد تستدعي حضورك من بين ثنايا الغياب .

ما تعودت أن ألقي بقلبي وأعرضه بثمن بخس ، ولست مكترثا إن انتهت صلاحية نبضاته المفترضة للحب ، وغدا بعدها كبضاعة كاسدة أمام قلوب النساء ، فإن قلبك إذا ما كان هو المشتري ، فلن يجدي حينها الاستدراك .

أحقا أحببت رجلا غيري ؟

أم أن (( البعيد عن العين ... بعيد عن القلب )) ؟

إذا كان هذا ما يفسر غيابك ، فالأمانة قيد التسليم ، ولك أن تستردي قلبك في أي وقت ترغبين ، ولكن قبل أن يأتي موعد الاستلام والتسليم ، دعيني في هذه الليلة أنام مطمئنا ولآخر مرة بين ذراعيك ، ولا تتركي يداي المرتعشتان شوقا إليك ، دعيني أقبل أناملك التي خطتني حبيبا لك في يوم من الأيام ، ودعيني أبكيك كالأطفال عندما يتهيأون للحظة الفطام ، فعندما ستشرق شمس الشتاء ، تكون الحكاية قد انتهت ، ولك حينها أن تنتزعي قلبك من أحشائي وترحلين .

لن أطالبك بدية لدم فؤادي المهدور ، فأنا لست أول ضحايا الحب ، ولن أكون حتما الأخير ، ولكن لست أدري لماذا معادلة الحب دوما غير متوازنة ؟

ربما قد آن الأوان لتغيير كل مصطلحات العشق ، فأنا وبعد هذا اليوم ، لن أبحث عن الحب ، بل سأجعله يبحث عني ، ولن أرضى بدور العاشق في مسرحية الحب ، بل سأكون أنا المعشوق ، ولست منذ هذه اللحظة حافظا أمينا لودائع القلوب ، فأنا لست كفؤا لهذا المنصب ، وأعلن استقالتي والتنحي عن مقعده لرجل غيري .

والآن قلبي برسم الأمانة ، فهل من امرأة أودعه إليها ؟ تحفظه وترعاه وتصونه ، وتتقن تلك المهمة التي عجزت أنا عن القيام بها ، ولكنني سأحذرها مسبقا من شرط جزائي قبل توقيع عقود الحب ، فلا تطالبني بتسديد رسوم عشقية مستحقة الدفع ، لأنني من بعدك أشهرت إفلاسي العاطفي .

Followers

Pageviews Last 7 Days