متى سيأتي العيد

حين كنت صبيا ، كنت أرتدي ثيابي الجديدة في ليلة العيد ، واستعجل النوم باكرا ، لأتجاوز الدقائق والساعات التي تفصلني عن لقاء العيد ، أستيقظ في الفجر على صوت والدي الذي يسبق وصول المؤذن إلى المسجد ، وهو يتضرع إلى الله تعالى بالفرج وسعة الرزق ، أقبل يديه ونتناول الكعك سويا إيذانا بحلول الفطر السعيد ، ونخرج مكبرين ومهللين ، متجهين إلى المسجد للصلاة ، وقبل أن يختم الشيخ خطبة العيد بالدعاء ، يستعجلني والدي للنهوض والإسراع في الخروج ، للقاء والدته وابنته اللتين ما ذرف دمعا في حياته إلا يوم أن واراهما الثرى ، ندخل المقبرة ونحن ندعو بغصة (( أنتم السابقون ونحن اللاحقون )) ، نقف على قبريهما ونتلو سورة (( يس )) ، ثم أتأمل قبر شقيقتي وأتحسسه بألم ، وأقسم لها أنني سأظل أحبها ولن أنساها مهما مضت بي السنين والأيام ، ثم نعود إلى منزلنا ونتناول وجبة الإفطار ، ونخرج لزيارة الأقارب في جولة واظبت عليها فرحا في كل عام مرتين ، وفي المساء أسارع إلى نفض محفظتي من النقود التي تجمعت فيها دون أدنى عناء ، سوى الابتسام والمسارعة بخبث الطفولة لتقبيل أقاربي ، وأخرج مع أصدقائي في نزهات لا نستطيع تحمل أعبائها المالية في سائر أيامنا الأخرى من العام ، كانت أحلامنا بسيطة وكانت أمنياتنا لا تتعدى لقاء محبوبة تتبسم لنا بخجل وهي تجلس مقابلة لنا في أرجوحة العيد .



ومضت بي الأيام ، لأكثر من عقدين من الزمان ، و أصبح والدي كهلا ولم يعد قادرا على المسير ، هجرت طقوس طفولتي وصباي ، وتعقدت أفكاري وأحلامي وأمنياتي ، أصبح زماني مملا وكئيبا ، و تغيرت مدينتي كثيرا ، أمشي في الطرقات ولكنني أشعر بالغربة ولا أجد أنني عدت قادرا على الفرح بقدوم العيد ، ما الذي حدث لي ؟



ربما أعترف اليوم أنني لست سوى شبح طفل ما عاد له وجود ، ولكنني لا زلت مؤمنا وعلى يقين أن العيد سيأتي من جديد ، ولكن متى سيأتي العيد ؟ ربما تكون هذه الاجابة في أعماق بحر امرأة لا تدرك لغاية هذه اللحظة أنها هي العيد .

Followers

Pageviews Last 7 Days