
أترك سريري بكثير من التثاقل في الصباح ، وذلك بعد أن أفقد الأمل بتسلل خيوط أشعة شمس الشتاء من ثغرات نافذة وحدتي ، أنظر إلى مرايا الذكريات ، فأرى انعكاس طيفك فيها بالإجماع ، ولا أجد ملاذا إلا بالفرار مسرعا قبل أن تغتسل عيوني بدموع الألم والحسرة على رحيلك الذي كان أسرع من اقترابك ، أخرج من منزلي وأستقل أول سيارة تأخذني بعيدا عن عناقيد زهور حديقتي التي تمكنت دوما من التلصص عبر نوافذ الشرفات على كل تفاصيل حبنا الضائع .
تباغتني آهات القيصر من مذياع السيارة ، لتنتهي بجمل اسمية متكررة في اللفظ والمعنى والإعراب (( ممنوعة أنت )) ، أتجاهل كل تلك الدلالات على مقدار لوعتي وحنيني إليك ، وأتوجه إلى عملي ، لأجدك تجلسين على مكتبي ، فيتبعثر قلبي بين الحنين والأشواق ، كتبعثر أوراق ملفاتي عند مراجعة ميزانيات نهاية العام ، أنظر إلى الهاتف ، فتجتاح قلبي عواصف من الإصرار لا أتمكن من كبح جماح رغباتها المتوحشة لهدم حواجز الجفاء ، و التي صمدت بسبب عنادنا تارة ، وقناعاتنا اليائسة تارة أخرى ، في عدم قدرة قلوبنا على تقليب صفحات جديدة من قصتنا العتيقة .
أقرر الإتصال بك ، إلا أن طرقات لباب مكتبي تسبق الأمل الأخير في عودة قصتنا ، فلقد كان يترصد بي من خلف الباب رواية عنوانها امرأة خرافية الحسن والجمال ، جاءت من مكتب المدير لأصطحبها في جولة استكشافية حول المدينة ، لتجد المكان المناسب لإنشاء استثماراتها .
أنسى فكرة الإتصال بك ، فعقلي يسيطر عليه في تلك اللحظات مئات الأفكار في كيفية إقناع تلك السيدة بمشروع استثمار عاطفي مع قلبي ، إذ أن رقعته الخضراء تزداد كلما كان في مواجهة مباشرة مع النساء .
القلب الأخضر هو مصطلح يطلق على كل من تكون تربة عواطفه صالحة دوما لزراعة بذرة أي قلب عابر للسبيل ، ولا يكون بحاجة إلا لقليل من رذاذ مطر كلمات أو نظرات أو ابتسامات ، لتبدأ أشجار علاقات الحب المحتمل بالنمو في قلبه ، بصرف النظر عن جودتها أو رداءتها .
ولكن يبقى السؤال حول المحرك الرئيس لخضرة القلوب ، فهل هو ناجم من كثرة التجارب أم من محدوديتها ؟
وهل هو مقتصر على الرجال دون النساء ؟
أم أن خضرة القلوب تزداد عندما تلتف بأغلال القيود والحرمان ؟