
رحلت (( سناء )) وظل (( ناصر )) يصارع وحشة الألم ولوعة الفراق على رحيل شقيقته وتؤام روحه ، فلم يجد له من رفيق في تلك الرحلة المؤلمة سوى الكتب الدراسية التي بدأ يلتهمها بشراهة وشراسة على أمل تحقيق الحلم الذي كانت (( سناء )) تتمنى دائما ببراءة تحقيقه عندما كانت تقول : (( بس أكبر بدي أصير دكتورة )) ، فقرر (( ناصر )) أن يحقق ذلك الحلم ويهديه إلى شقيقته التي سلب منها (( الباشا )) كل أحلامها الوردية التي تلاشت وذهبت أدراج الرياح بمجرد أن وطأت قدماها أعتاب بيته .
وبعد مرور عام واحد كان (( ناصر )) يطالع الصحيفة اليومية بحثا عن اسمه في قوائم المقبولين لكلية الطب ، فاستوقفه خبر منشور في الصفحة الرئيسة يتحدث عن مسودة قانون جديد للأحوال الشخصية يسمح بتزويج الفتيات قبل بلوغهن الخامسة عشر من عمرهن ، فتذكر (( ناصر )) أخته (( سناء )) وترقرقت الدموع في عيونه التي أوقف استمرار هطولها جرس الهاتف الذي جاء ليعلن عن أنباء استعداد (( سناء )) لمغادرة بيت (( الباشا )) ، ففرح (( ناصر )) ولم يصدق ما كان يسمعه ومالبث أن بدأ يصرخ ويغني بكل سعادة قائلا : (( آه كم اشتقتك يا سناء سنلتقي أخيرا ونجتمع من جديد )) ولكن في تلك اللحظة تحديدا أوقفت خادمة منزل (( الباشا )) أفراح (( ناصر )) لتحولها إلى أتراح بعد أن قالت له أن ((سناء)) لن تتمكن من الحضور إلى منزل والدها ، فذهل (( ناصر )) وبدأ بالصياح والاستفسار عن السبب ، فروت له الخادمة ما حدث (( لسناء )) .
كانت (( سناء )) تستعد للذهاب إلى مستشفى الأمراض العقلية ليتم علاجها من نوبات الخوف والفزع التي كانت تصيبها كلما جاء ليل الأثنين والأربعاء من كل أسبوع وهو الموعد الذي كان محددا لها في أجندة فحولة (( الباشا )) .
فما كان من (( ناصر )) إلا أن أطلق تلك الصرخة المدوية ليعلن بها الثورة على أصحاب العقول المتحجرة التي تستبيح لنفسها القضاء على مستقبل الأجيال القادمة بحجة حمايتهم والخوف على مصلحتهم ورسم مستقبل مشرق لهم .